ثقافة التطوع: ما بين ترسيخ المفهوم وتغيير المنظور
بينما تمر بالشارع غير أبه بشئ سوى ان الموعد المحدد علي وصولك للعمل قد قارب على الوصول وانت بعيد كل البعد عن الوصول ،ينتابك شعور بتأنيب الضمير ماذا لو استيقظت باكرا.
في الجانب الاخر من الشارع امرأة ستينية تحاول العبور ،وفي مطلع الشارع سيارة مسرعة نحو المرأة الغافلة وسوف تهدسها لا محالة في هذا الموقف سوف ينسي عقلك كل المشاغل، ينسي تاخيرك عن العمل ينسي ردود فعل مديرك الساخطة ينسي كل شي الا تلك السيدة وبفعلة خارجة عن الارادة يمكن ان تجري محاولا تنبيهها او ان تجري محاولا ابعادها عن الشارع او يمكن ان تقف عاجزا عن الحركة.
ولكن المشترك بين كل المواقف انك تحس بعاطفة تجاه تلك المرأة وايضا تحس بضرورة ان تقوم بشئ من اجل انقاذها ، احساس لحظي لا يدع فيه العقل الواعي للعقل الاواعي وقتا للاستدراك او ان يراجعه في موقفة من المرأة.
هذا الموقف الايجابي الفطري في الانسان هو ما يطلق عليه الفعل الطوعي اي ان يقوم به الفاعل دون ان ينتظر امرا من احد ودون اكراه مسبق بل لحظية الموقف تستدعي ذلك
الفعل الطوعي سمة حقيقة من سمات الطبيعة البشرية دامغه في تكوينه لايمكن التخلص منها فحتي شرار الانفس يقومون بالتطوع من حين لاخر فلو نظرنا لافعالنا خلال الحياة ندرك كم ان الفعل غير الهادف للربح او غير الموجه بغريزة يشكل لب السلوك الانساني.
التطوع ضمن نظريات السلوك الانساني:
ولو ان المسترسل في نظريات السلوك الانساني والمدارس المختلفة له يدرس يجد ان محاولة ايجاد اطار نظري نفسي للعمل التطوعي قد نتج منه تشكل عدة نظريات كانت المحاولة من خلالها لتفسير العمل التطوعي.
النظرية البنائية الوظيفية..
فهناك النظرية البنائية الوظيفية والتي تنظر للمجتمع باعتباره نسقا واحدا يتألف من عدد من العناصر المتفاعلة المتساندة التي توثر في بعضها البعض وتتكامل مع بعضها البعض وبالتالي تحاول هذه النظرية دراسة السلوك من خلال دراسة النتائج المترتبة عليه ويمكن النظر للعمل التطوعي كاحد السياقات التي تشكل المجتمع وتكون جزء من تنميته وتتكامل مع النظام الاسري والاقتصادي والتربوي لتشكيل البناء الاجتماعي، وبالتالي ياتي العمل التطوعي كعامل اساسي في محاولة ضبط باقي الاجزاء الاجتماعية.
نظرية الدور المجتمعي..
هناك نظرية الدور والتي تستند الي ان فرد في المجتمع يشغل مركزا اجتماعيا وهذا المركز يفرض عليه مجموعة من الحقوق والالتزامات التي بدورها تفرض عليه التفاعل مع باقي افراد المجتمع وفي رأي هولاء العلماء ان الحياة الاجتماعية تماثل الرواية علي المسرح.
فكما ينظر الي الافراد على انهم يشغلون ادوارا في المجتمع ينظر للممثلين علي خشبة المسرح، بناء على ذلك فأن كل فرد في المجتمع يحتل مركزا معينا يقوم بدور معين وبما ان العمل التطوعي فيه اشباع لحاجة المجتمع والافراد على حد سواء فانه ضرروي لضمان استمرار هذه العلاقة.
العمل الطوعي يعتبر حتميا..
اذا فالفعل الطوعي حادث لا محالة رغم انف الرفض الواعي احيانا عندما يصبح جزءا من المليون من الثانية هو وقت الحقيقة فاما القيام به او القيام به .
والفعل التطوعي قديم جدا في جذور الانسانية فلو نظرنا لاغلبية الديانات السماوية نجدها قد صبغت الكثير من الافعال التي ينتمي اليها منتسبيها بذلك الطابع العطائي غير الشرطي والذي في الغالب مايعطي شرعية للافعال الخيرة علي الشريرة وبالتالى تكون تلك الافعال اسهل عند الاعتناق واقرب الي الانفس عندما التطبيق فلا يجد الانسان جهدا عندما يقوم بالايمان بديانة تجعل من السلوك التطوعي الذي هو بالاصل فطرة واجب في عقائدهم.
التطوع من نظرة دينية..
الدين الاسلامى على سبيل المثال مبني على تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وفي ذلك قول الرسول صلي الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتي يحب لاخيه ما يحب لنفسه وهو بذلك وضع اساس حقيقي للتطوع واسس لمفهوم شامل عرف على اساسه كل الافعال الطيبة في الانسان بضرورة ارتباطها بالمصلحة العامة .
وبالرغم من الاسلام والحضارة الاسلامية قد كان له قدم السبق فى اضفاء تلك الشرعية علي العمل التطوعي ولكننا نجد ان الغرب قد بزل الكثير في سبيل توظيف ميزة التطوع عند افراده وذهب في ذلك بعيدا من حيث قيام وزارات كاملة مسؤلة عن تطوير مجال العمل التطوعي وايجاد افضل الحلول لاستفادة القصوي منه.
وإنشاء المؤسسات البحثية التي تعني بالبحث في هذا المجال واستخلاص كل معلومة ممكنة في سبيل تنميته وايجاد هيئات وادارات ذات استقلالية كاملة في محاولة لتطويع ذلك الجيش من المتطوعين الساعين للخدمة غير الربحية ومحاولة دمجهم ليشمل هذا الدمج موسسات القطاع الحكومي ومؤوسسات ذات طابع ربحي.
المتطوعين هم رأس مال..
في ذات الوقت التي حدثت فيه كل هذه الطفرة في النظرة للتطوع من حيث النظرة للمتطوعين باعتبارهم رأس مال اجتماعي في دعم التنمية ما زال الكثير في بلداننا العربية لا ينظر للتطوع تلك النظرة الجدية بالرغم من وجود التطوع في كثير من جوانب الحياة اليومية.
ودخول التطوع كحل اول لمجابهة الكثير من الطوارىء والكوارث الطبيعية والبشرية بالرغم من ذلك فافتقار ثقافة التطوع للتوجية الاداري والتنسيق بين القطاعات التطوعية يعطي خدمة تطوعية بدائية او مفككة ان صح التعبير لاتملك صفة الاستدامة او تحقيق الاستفادة القصوي المرجوة منها.
دوافع العمل الطوعي..
دوافع العمل التطوعي قد تختلف حسب الظروف التي يعمل فيها المتطوع ولكن كل الدوافع قد تأخذ في جزء منها تحقيق المنفعة للغير وفحسب الدراسات قدوجد ان اسباب اخري كتحصيل خبرة في مجال محدد قد تكون دافع للتطوع فيه وكذلك الرغبة في تطوير المهارات الحياتية والخبرات من الاسباب الاساسية للتطوع.
ويطلق علي الفعل عمل تطوعي عندما يشتمل على عدة عناصر منها خلوه من الربح المادي و حرية الاختيار في الاقدام عليه ولعل النقطة الاولى قد اصبحت مجال كثير من الجدل حيث عملية تقنين العمل الطوعي وايجاد اطار اداري وتنظيمي ليواكب الطفرة الكبيرة في العمل الطوعي.
والحوجة الكبيرة لتحقيق الفائدة القصوي من هذا العمل قد ادخلت الكثير من المفاهيم الجديدة علي ثقافة العمل التطوعي ولذلك لابد لنا في السودان خاصة والوطن العربي عموما من تجديد وتبني النظريات الحديثة في هذا المجال.